إسرائيل- غطرسة مُدمرة وحصانة مُنتهية، ووحدة إسلامية مُنتظرة

المؤلف: د. ياسين أقطاي08.28.2025
إسرائيل- غطرسة مُدمرة وحصانة مُنتهية، ووحدة إسلامية مُنتظرة

من غير المقبول إطلاقًا أن يُقابل العدوان الوقح والمتغطرس الصادر من إسرائيل، تلك الدولة التي أثبتت المحكمة الدولية ضلوعها في جرائم إبادة جماعية، إلا بمزيد من الاستنكار والرفض القاطع. الأمر الذي يثير الدهشة والاستغراب هو الطريقة التي تعاملت بها بريطانيا وفرنسا مع هذا العدوان، وكأنه مجرد خطوة "طبيعية" أو أمر اعتيادي، بدلًا من أن تسارع هاتان الدولتان إلى إدانة ما حدث بكل قوة وحزم.

لقد أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا، على غرار مواقف الولايات المتحدة، عن وقوفهما التام والكامل إلى جانب "إسرائيل" ضد إيران. في الوقت ذاته، تواصل الدولة العبرية حربها الإبادية الشرسة في قطاع غزة دون توقف أو انقطاع منذ ما يربو على ستمائة وعشرة أيام. إن التضامن مع قوة نووية ماضية في طريق الإبادة الجماعية، لمجرد مواجهة مساعي إيران المحتملة لامتلاك السلاح النووي، من شأنه أن يدمر ويقوض بشكل كامل ما تبقى من دعائم وركائز النموذج الحداثي-العلماني-الإنساني، الذي تلقى بالفعل زلزالًا عنيفًا واهتزازًا شديدًا منذ بدء المجازر المروعة في غزة.

إن الرسالة التي خرج بها اجتماع مجموعة الدول السبع الكبرى G7 – والتي تضمنت تأكيدًا قاطعًا على أن "إيران لن تصبح قوة نووية" – لا يمكن أن يُساء فهمها على الإطلاق في أرجاء العالم الإسلامي، بل ستُفهم تمام الفهم وبكل دقة. إذ سيُنظر إلى هذا الإصرار الشديد على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، على الرغم من مواقفها التي أثارت جدلًا واسعًا واختلافًا عميقًا داخل الساحة الإسلامية لسنوات طويلة، على أنه أثر واضح لانحياز ديني مكشوف وفاضح. لأنه إذا كان لا بد من الحديث عن "خطر حقيقي" ماثل، فإن وجود قطعة سلاح فردية – مجرد مسدس بسيط – في يد "إسرائيل" يكفي وحده لتهديد الإنسانية جمعاء، فكيف إذا كانت "إسرائيل" تمتلك ترسانة نووية ضخمة وهائلة؟!

لا شك أن "إسرائيل"، بتسلحها النووي وقوتها العسكرية المفرطة والفائقة، قد أصبحت بالفعل خطرًا حقيقيًا وداهمًا على السلام العالمي والأمن الدولي، بل وعلى البشرية بأسرها. إن حقيقة هذا الخطر تتجلى بوضوح وجلاء كل يوم في قطاع غزة المحاصر، وفي الضفة الغربية المحتلة، وفي الأراضي السورية المنكوبة. إنها قوة عدوانية متغطرسة بطبيعتها وجوهرها، ومع ذلك، وبدلًا من أن تُدان وتخضع للمساءلة والمحاسبة، تُمنح الحق في أن تقرر من يحق له امتلاك الأسلحة في المنطقة، ومن لا يحق له ذلك، على الرغم من أنها دولة مدانة بجرائم إبادة جماعية موثقة ومؤكدة.

هذه مجرد زاوية واحدة من زوايا الحرب التي نعيشها ونشهدها. أما الزاوية الأخرى المهمة والجديرة بالاعتبار، فهي أن "إسرائيل"، بإقدامها على هذه الحرب الشعواء، قد خسرت الامتياز الذي طالما تمسكت به بشدة على الرغم من عدوانيتها المتأصلة: أي الحصانة المطلقة، والقدرة على الإفلات من العقاب، والشعور بالعلو والاستعلاء المطلقين. فمن هذه اللحظة فصاعدًا، لم تعد "إسرائيل" قادرة على مهاجمة أي دولة تشاء دون أن تدفع ثمنًا باهظًا وتتحمل عواقب وخيمة. لقد اصطدمت غطرسة "إسرائيل" العنيفة بجدار صلب وراسخ، على الرغم من اعتمادها الكامل على ترسانة سلاح ضخمة حصلت عليها بسخاء من الولايات المتحدة وحلفائها المتدينين في أوروبا. واليوم، بدأت مدنها، وفي مقدمتها مدينة تل أبيب، تتعرض لدمار واسع النطاق يشبه إلى حد كبير ذلك الذي أنزلته بقطاع غزة المحاصر.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة، أن هذا الدمار الذي أصاب قلب "إسرائيل" النابض قد جاء من مصدر طالما تجاهلته باستهزاء شديد، بل وأنكرت وجوده أساسًا: من بلد محاصر منذ خمسين عامًا، وعاش في ظل الحصار كل صنوف الحرمان والشقاء، لكنه مع ذلك استطاع أن يطور أسلحته بجهد ذاتي دؤوب ومضن، وسط شح الموارد والضغوط الهائلة.

هذه الحقيقة الجلية تطرح تساؤلًا كبيرًا ومهمًا: ما هو الضرر الحقيقي الذي ألحقه الحصار الخانق الذي تفرضه كل من أميركا وإسرائيل؟ وما الذي قدمته الحماية الغربية الثمينة لحلفائها في المنطقة؟ فلننظر بعين فاحصة إلى إيران، التي عانت على مدار نصف قرن كامل من الحصار والعقوبات الأميركية والغربية المشددة، وها هي اليوم قادرة على تأمين ما يقرب من ثمانين بالمائة من حاجتها الدفاعية من خلال التصنيع المحلي المتقن.

صحيح أن منظومة الدفاع الجوي الإيرانية لم تثبت كفاءتها المطلوبة في المرحلة الأولى، إلا أنها بدأت تدخل الخدمة بشكل أكثر فاعلية وتطورًا، إلى جانب الطائرات المسيّرة المتطورة، والصواريخ الباليستية الدقيقة، والصواريخ فرط الصوتية المتطورة، التي زعزعت المكانة الإستراتيجية الرفيعة التي طالما ظنت "إسرائيل" أنها تحتكرها في المنطقة، وفرضتها على جيرانها بقوة السلاح.

بل إن هذه الزلزلة العنيفة لم تكن وليدة اليوم. لقد بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين فجر شعب غزة الباسل، المحاصر منذ عام 2007، شرارة مقاومة عارمة وجارفة، زعزعت توازن الردع الإسرائيلي الهش. ويمكن أيضًا إضافة التجربة التركية الرائدة في الصناعات الدفاعية كحالة بارزة توضح بجلاء ما يمكن أن تصنعه الإرادة الصلبة والاعتماد على الذات.

وفي المقابل، هل يمكن تجاهل المفارقة المفجعة والمؤلمة؟ مئات المليارات من الدولارات أنفقتها بعض الدول ببذخ على التسلح من مصادر أميركية وأوروبية وإسرائيلية – ومع ذلك، ما تزال هذه الدول تعتمد بشكل كامل على الحماية الأميركية. أليست هذه المفارقة وحدها كافية لتكون درسًا بليغًا وعبرة عظيمة؟

على صعيد آخر، ارتكب نتنياهو خطأ فادحًا في تفسير صبر إيران وتحملها إزاء اعتداءاته المتكررة، إذ فهمه على أنه علامة ضعف وهوان (بل يمكن القول إن هذا التفسير الخاطئ لم يأت فقط من نتنياهو، بل أيضًا من الشارع العربي والإسلامي الذي كان ينتظر بفارغ الصبر من إيران ردًا حاسمًا على كل صفاقة وتطاول إسرائيلي). والحقيقة الجلية هي أن إيران لم تكن تسعى على الإطلاق إلى حرب شاملة وواسعة النطاق مع "إسرائيل"، وهذا ليس أمرًا يصعب فهمه وإدراكه.

لكن نتنياهو فسر ذلك الصبر على أنه ضعف وهوان من قبل إيران، وقوة مطلقة وجبارة من طرفه، فاندفع بتهور يطلب نصرًا سريعًا وخاطفًا، مهللًا لما ظنه "ضربة مفاجئة" لخصمه اللدود، لكنها لم تكن في الواقع إلا فخًا محكمًا ابتلعته فرحته الكبرى مثل كأس مسمومة. واليوم، يبدو أن هذا السم الزعاف قد بدأ يسري في جسد "إسرائيل" كله. حتى الشارع العربي، بمختلف تياراته واتجاهاته، بات يلتف حول إيران ويدعمها؛ لأنها الدولة الوحيدة التي تواجه "إسرائيل" فعليًا في ساحة المعركة. فلينظروا كيف استقبلت الشوارع العربية صور الصواريخ الإيرانية، وهي تضرب مدينة تل أبيب بفرح عارم وغبطة بالغة!

ربما آن الأوان لكي تدرك الولايات المتحدة، و"إسرائيل"، وأوروبا هذا الواقع المرير: العالم الإسلامي الذي مزقوه وأخضعوه عبر إستراتيجيات "فرّق تسد" الخبيثة، يمكن أن يتوحد في نهاية المطاف تحت وطأة هذا العدوان الصهيوني العنصري المفرط في تطرفه.

فإذا كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترغب فعلًا في تجنب المزيد من النتائج الكارثية لهذا المسار العبثي الذي شرعت فيه، فليس أمامها من خيار سوى أن تتخلى بشكل كامل عن دعمها اللامحدود لـ"إسرائيل". لأنها إن لم توقف هذه الحرب التي أشعلتها، فلن تستطيع السيطرة على نهاياتها المأساوية – تمامًا كما لم تستطع إنهاء حرب أوكرانيا التي أشعلتها ضد روسيا.

وعند هذه النقطة الحرجة، لن يكون أمامها خيار آخر سوى اللجوء العاجل إلى تركيا، وإلى زعيمها المحنك رجب طيب أردوغان. وإن أردوغان، إلى جانب دبلوماسيته الهاتفية المحمومة التي يقودها منذ أيام، يستطيع – بل ينبغي له – أن يبادر على الفور بجمع قادة العالم الإسلامي في مدينة إسطنبول، لبلورة موقف مشترك وموحد، يمثل العالم الإسلامي برمته، في وجه هذه الفوضى العارمة. وسيكون هذا بمثابة خطوة تأسيسية فارقة نحو نظام عالمي جديد أكثر عدلًا وتوازنًا وإنصافًا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة